قال رجل الأعمال السعودي الدكتور خالد الجريسي، إن الظروف التي عاشها تختلف عن تلك التي عاش فيها والده رجل الأعمال عبد الرحمن الجريسي، إذ إن والده عاش حياة التقشف وبدأ حياته من الصفر، بيد أنه لا يتفق مع من ينظر إليه بأنه (ولد وفي فمه ملعقة من ذهب)، مؤكدا أن عائلته لم تتوارث التجارة، وأن الوالد بدأ حياته من لا شيء. وأوضح في حوار لـ (الشرق) أنه لم يحيا حياة مترفة، مفيدا أنه يتبنى هماً ثقافياً واجتماعياً يسعى إلى تفعيله في أوساط المجتمع. وقال الدكتور الجريسي: تركت الدراسة الجامعية لمدة ثماني سنوات وعملت موظفا صغيرا في مجموعة الوالد، وتدرجت في عدد من الوظائف حتى عينت رئيسا تنفيذيا.
ثلاثة خطوط متوازية:
بداية هل تتفق مع من يقول إن خالد الجريسي (ولد وفي فمه ملعقة من ذهب)؟
♦♦ الظروف التي عاشها خالد الجريسي غير تلك التي عاش فيها الوالد عبد الرحمن الجريسي، حيث عاش الوالد حياة التقشف وبدأ حياته من الصفر، فسهر الليالي والأيام، وكابد حتى وصل إلى ما وصل إليه، أما أنا ولله الحمد لم أمرّ بالظروف الصعبة التي عاشها الوالد، إلا أنني أيضاً لم أحيا حياة باذخة مترفة كما يقولون (ولد وفي فمه ملعقة من ذهب)، فالوالد كان حكيماً في تربيتنا على الاقتصاد في النفقة، لكن النعمة التي تقلبت فيها منذ الصغر لم تلهني عن طلب النجاح ومكابدة الصعاب في سبيل الوصول إليه، فالنجاح أسمى من أن يناله المترفون المتخمون، فكنت إلى حد ما ملتزما بتوجيه بوصلتي نحو ثلاثة خطوط متوازية، فإلى جانب بناء شخصيتي القيادية تجدني أسعى جاهداً لبناء شخصيتي الثقافية والفكرية من خلال الاهتمام بالبحث والتأليف، وهناك خط رياضي من خلال ولعي بالفروسية وتنمية مهاراتي في هذه الرياضة المحببة إلى نفسي.
موظف صغير:
حدثنا عن بداياتك العملية، وهل صحيح أنك تنازلت عن أمنيتك بأن تصبح طياراً وأن رغبة والدك حالت دون ذلك؟
♦♦ حين كنت فتى يافعاً راودتني أمنية أن أصبح طيارًا، وكانت أمنية شديدة لا تزال تراودني، إلا أن رغبة الوالد، كانت أن أكون معه في العمل ما حال دون تحقيق هذه الأمنية، وبعد تخرجي من الثانوية التحقت بإحدى الجامعات السويسرية إلا أن البيئة الاجتماعية هناك لم تناسبني فعدت أدراجي إلى الرياض، وسجلت في جامعة الملك سعود وكانت المقارنة بينها وبين الجامعة السويسرية التي كنت فيها – من حيث المستوى العلمي والنظام – حاضرة في ذهني ما أعاق تقدمي في الجامعة وكرّس عزوفي عنها، فتقدمت إلى الوالد أطلب منه أن يعفيني من إتمام الدراسة الجامعية وأن يلحقني بالعمل لديه في مجموعة الجريسي فلبّى رغبتي وبدأت العمل موظفاً صغيراً في (مؤسسة بيت الرياض) في أغسطس 1985 م، وتدرجت في عدد من الوظائف، ما كان له تأثيرٌ مباشرٌ على تعدد الخبرات التي تمكنت من تحصيلها وتنوع المهارات التي اكتسبتها، وباحتكاكي بالقياديين في بيت الرياض من أصحاب المؤهلات العالية، ولد عندي التحدي وحفزني للعودة إلى مقاعد الدراسة وإتمام الدراسة الجامعية بعد انقطاع دام ثماني سنوات، فالتحقت بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة منتسباً، وحين رأى والدي أنني صرتُ أهلاً للعمل القيادي أسند إليّ قيادة المؤسسة اعتباراً من 1993 م، بتعييني رئيساً تنفيذياً لها فمارست عملي الإداري إلى جانب تنقلي في سيري الدراسي من مرحلة إلى أخرى إذ التحقت بعد الجامعة بكلية الإمام الأوزاعي في بيروت فنلت منها درجة الماجستير عن موضوع (إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري – دراسة ميدانية)، ثم نلت درجة الدكتوراه في فلسفة التسويق من جامعة كنزنجتون الأمريكية، ثم درجة دكتوراه أخرى من كلية الإمام الأوزاعي في بيروت عن موضوع (أنماط السلوك القيادي في ضوء الفكر الإداري المعاصر والفكر الإسلامي – دراسة ميدانية)، وفي مطلع2010م أسند إليّ والدي إضافة إلى مهامي، إدارة شركة الجريسي لخدمات الكمبيوتر.
الرغبة والنجاح:
هل تتمنى أن يسير أبناؤك على خطاك كما سرت أنت على خطى والدك؟
♦♦ أحب أن يسير أبنائي كما سرت وما أزال أسير على خطى والدي، ولكني لا أحاول التأثير عليهم كوني أريد أن أراهم من الناجحين في المجال الذي يناسبهم ويختارونه لأنفسهم، لأن النجاح مرتبط بمدى الرغبة في العمل الذي نمارسه.
أفهم أنك مع الوراثة في مجال التجارة؟
♦♦ نحن لسنا من الأسر التي توارثت التجارة، فالوالد بدأ تجارته من لا شيء، إلا أن هناك كثيرًا من العائلات توارثت العمل التجاري منذ زمن بعيد، وهذا أمر طبيعي أن تتسم بعض العائلات بسمة ما، فكما أننا نجد عائلات اشتهرت بالعلم وأخرى بممارسة العمل السياسي، نجد عائلات اشتهرت بالتجارة وبالتالي فإن للوراثة دورها في ممارسة التجارة إذا أخذنا في الاعتبار الخبرة والمهارة وحسن التعامل، فهذه أمور نهلتها شخصياً من معين الوالد والمعلم عبد الرحمن الجريسي.
الألوكة الثقافية:
نعلم أنك المؤسس والمشرف العام على شبكة (الألوكة الثقافية)، فهل حدثتنا عن هذه التجربة؟
♦♦ مع دخول الإنترنت إلى المملكة مطلع القرن الحالي، وظهور العديد من المواقع الثقافية والإسلامية راودتني فكرة أن يكون لنا إسهام في هذا المجال الإعلامي الجديد خدمة للوطن، ومن حينها بدأنا نخطط لذلك وكلما برز موقع جديد على الشبكة ازداد حماسنا إلى أن يسر الله لنا إطلاق شبكة الألوكة والتي يشاركني الدكتور سعد الحميد الإشراف عليها. وكانت البداية متواضعة ولكننا كنا نضع نصب أعيننا أن تكون الألوكة شاملة بين المواقع الثقافية الإسلامية المعتدلة التي تمثل تيار الوسط تحقيقًا لقوله عز وجل ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدً ﴾ [البقرة: 143]، وها هي الألوكة اليوم شبكة غنية شاملة؛ (إعلامية، وثقافية، وعلمية، وأدبية) تتألف من ثلاثة عشر موقعاً، يشارك فيها نخبٌ من أهل العلم والفكر والدَّعوة، وتحتل مرتبتها بين أكثر من 15000 موقعا زيارة في العالم، ويزورها يوميًا أكثر من خمسين ألف زائر.
وأطلقت الشبكة عددا من المسابقات الثقافية والأدبية أبرزها مسابقة النفس المطمئنة التي نؤصل من خلالها لهدي النبي – صلى الله عليه وسلم – في تعامله مع مخالفيه في العهد المكي، وقد أثمرت المسابقة عن عدد من الأبحاث التربوية والعلمية النافعة التي تبرز سماحة الإسلام في التعامل مع المخالفين أيا كان نوعهم، وجميع هذه الأبحاث ستطبع في الأيام القليلة المقبلة، ومسابقة الألوكة للإبداع الروائي التي شارك فيها أكثر من مائتي روائي على مستوى العالم العربي، وهدفنا من هذه المسابقة تعزيز القيم المجتمعية النبيلة من خلال الرواية الهادفة، وجميع الروايات التي فازت في هذه المسابقة هي الآن في اللمسات الأخيرة تمهيدًا لطباعتها.
منارة رشد:
ما سبب اختياركم لاسم « الألوكة »؟
♦♦ اخترنا لها اسم (الألوكة) عسى أن يوافق المسمَّى، فالألوكة في العربية بمعنى الرسالة، ونسأل الله أن يعيننا على أداء رسالتنا وأن ينجح قصدنا ويتقبَّل عملنا، إننا نطمح أن نقدِّم في الألوكة ما يكون رسالةَ هدايةٍ ورشدٍ للمسلم المعاصر، يعيش بها حياةَ سكينة وعزَّة ورِفعَة… وأن تكون منارة رشد للحائرين الباحثين عن طريق الحق والهداية، وسراجًا منيرًا للسائرين في دروب الدعوة والعمل الإسلامي.
تأليف الكتب:
نشاطك حافل بتأليف وإصدار العديد من الكتب، إضافة إلى مهامك العملية والتجارية فكيف توزع وقتك؟
♦♦ أضف إلى معلوماتك أنني عضو في عدد من الجمعيات العلمية مثل الجمعية السعودية للإدارة، جامعة الملك سعود، جمعية الإداريين العرب «القاهرة» جمعية الاقتصاد السعودية، جامعة الملك سعود، واتحاد الاقتصاديين العرب «بغداد»، الجمعية التاريخية السعودية، اتحاد المؤرخين العرب «القاهرة»، ولا شك أنني كنت المستفيد الأول مما أكتب، وحين لمست تلك الفائدة فكرت في النشر ليستفيد الآخرون مما استفدت منه، فمن خلال كتاب (أخلاق الملك عبدالعزيز) يجد المتلقي أمثالاً واقعية تجسد معاني التقوى والأخلاق، سواء كان في بره بوالديه وصلته لأرحامه، أو حبه لرعيته، وتودده إليهم، واللين في الكلام والمعاملة. ومن الكتب الاجتماعية والتاريخية التي قمت بتأليفها أيضاً كتاب (وثائق العلاقات السعودية المصرية في عهد الملك عبدالعزيز) وهو سفر يتكون من ثلاثة مجلدات جمعت فيه ما استطعت من الوثائق المتصلة بالموضوع في دار الوثائق المصرية، وكتاب (العصبية القبلية) الذي وصفه النقاد بأنه من أبرز الكتب المثيرة للجدل ومن أنجحها وأكثرها انتشاراً، وعدد من الكتب الأخرى منها: الجامع المسمى (فتاوى علماء البلد الحرام) و(إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري)، و(القيادة الإدارية من منظور إسلامي) وغيرها من الكتب التي ربت عن عشرين مؤلفاً، كل هذه الكتب أعتقد أن فائدتها انعكست على المجتمع ولمست هذا من خلال ردود الأفعال التي تصلني والحمد لله أنها حققت نجاحاً وأصداء طيبة.
نشر هذا الحوار في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٨٦) صفحة (٢٣) بتاريخ (٢٨-٠٢-٢٠١٢)