ثمة من يعتقد – من رجال الأعمال – بأن لمنظماتهم (شركاتهم، مؤسساتهم، مشروعاتهم) هدفاً واحداً يسعَون إلى تحقيقه، وهو تعظيم أرباحهم؛ حيث أصبح الربح – لديهم – هدفاً وحيدًا تسعى إليه منظمات أعمالهم من خلال اعتماد منهج [التكلفة / العائد] كمقياس للنجاح…
…وبالتالي للكفاءة في تنفيذ الأعمال، متناسين بذلك أن هذا الفهم «الميكيافيلي» لجوهر عمل المنظمة سيفرز بالضرورة تأثيرات سلبية تجاه المجتمع الذي يعيشون فيه والذي يعتبرهم جزءًا منه.
ومن أهم هذه التأثيرات السلبية:
1- الظلم اللاحق بالمستهلك جرَّاء الغش في البضائع، والتلاعب في الأسعار، وحجب المعلومات الصحيحة الخاصة بالمنتجات عن المستهلك، والقصور في تقديم «خدمات ما بعد البيع».
2- التهديدات التي تنال من صحة العاملين وسلامتهم، جرَّاء العمل، أو المواد المستخدمة في الإنتاج.
3- التلوُّث البيئي الذي تزايد – بشكل ملحوظ – جرّاء العمليات الصناعية وما تبقَّى من فضلات الإنتاج.
4- محدودية الاهتمام بالارتقاء بنوعية أجواء العمل، والتي تمثلت في ضعف المهارات لدى العاملين ومحدودية تطويرها على الأمد الطويل، وسوء العلاقات الإنسانية، وضيق نطاق المشاركة في القرارات المتخذة، فضلاً عن التمايز في معيار توظيف الأفراد؛ سواء كان على أساس الجنس، أو العمر أو غيرها.
5- الشكوك الكبيرة التي تعتري أعمال عديد من الشركات الكبيرة، خصوصاً فيما يتعلق بالرشاوى المبذولة للحصول على العقود الكبيرة لتنفيذ الأعمال مثلاً، وأثر ذلك في انتشار الفساد الذي يصيب نوعية حياة الأفراد في المجتمع وسلوكهم بشكل عام.
إن رجل الأعمال – من خلال سعيه لتحقيق أعلى الأرباح كمؤشر لقياس مستوى وفعالية الأداء المتحقق لمنظمته – سيسيء بكل تأكيد لمجتمعه، وبالتالي هو يسيء لنفسه باعتباره جزءًا لا يتجزَّأ من هذا المجتمع، لأنه – كما أسلفنا – في سعيه الدؤوب لتحقيق وتعظيم أرباح منظمته سوف يُقْدِمُ على أمور «أطلقنا عليها سلبيات» ستنعكس حتمًا على هذا المجتمع.
وهنا أودُّ التذكير بخصائص أيِّ مجتمع من خلال معالجةٍ جدلية منطقية تعتمد في مضمونها على نظرية النُّظُم التي تبين ببساطة كيفية عمل أي موضوع بشكل عام من خلال العناصر الآتية: (مُدخلات – عمليات تحويلية – مُخرجات)، وأن ذلك يتم – بكل تأكيد – داخل بيئة محددة نسميها في موضوعنا هذا المجتمع. بالتالي فإن المنظمة تحصل على مواردها اللازمة لإنتاج سلعها أو خدماتها (مُدخلاتها) من المجتمع، ثم تقوم بتحويلها إلى سلع وخدمات، ثم تصرِّف هذه المنتجات والخدمات (مُخرجاتها) داخل المجتمع ذاته. بناء على ما سبق فإن هذا المجتمع لو توقَّف عن إمداد هذه المنظمة بمدخلاتها فإنها ستتوقف عن العمل، إذاً المجتمع – في الواقع – هو سبب وجود هذه المنظمة، من جهة أخرى لو امتنع هذا المجتمع عن شراء منتجاتها (مُخرجاتها) فإن المنظمة ستتوقف أيضًا عن العمل، إذاً المجتمع هو سبب استمرارها.
فإن كان هذا المجتمع هو سبب وجود المنظمة وسبب استمرارها، فهل تكون مكافأته الإضرار به من خلال الممارسات السلبية التي ذكرناها سابقاً، أم يعتبر كلُّ رجل أعمال أن لهذا المجتمع صنيعًا حسنًا أدَّاه للمنظمة، وأن عليه بذل وسعه في معاملة المجتمع بالمثل، من خلال مساعدته في حلِّ مشاكله؟.
بطبيعة الحال نحن لا ندعو أن يقوم رجل الأعمال بحماية المجتمع وتحسينه وحسب، بعيداً عن السعي لتحقيق المنافع المباشرة للمنظمة التي يمتلكها، حيث إن في ذلك مبالغة نوعاً ما، وقد يتفق ذلك مع المؤسسات أو المنشآت الخيرية، أو تلك التي لا تهدف إلى الربح والتي صممت في عقد تأسيسها أن تكون في خدمة المجتمع، بل نقول بضرورة أن يتولد لدى المنظمة والقائمين عليها قناعة بعدم الإضرار بالمجتمع أثناء قيامها بتحقيق أهدافها، بل أكثر من ذلك أن تساعد هذا المجتمع من خلال مجموعة من الممارسات الإيجابية التي بطبيعة الحال سوف تقلل من أرباحها على الأمد القصير لكنها – بالتأكيد – ستزيد من أرباحها على الأمد الطويل، كما أنها بذلك ترد جزءًا من حُسن الصنيع لهذا المجتمع الذي اقتنعنا أنه سبب وجودها وسبب استمرارها.
ومن أهم تلك الممارسات الإيجابية:
1- تقديم سلع وخدمات ذات جودة عالية، وبأسعار غير مبالغ فيها، كإسهام من المنظمة في تحسين مستوى الحياة فيه (وهذا بكل تأكيد سينعكس إيجاباً عليها على الأمد الطويل).
2- الإسهام في حل مشكلات المجتمع، لاسيما الثقافية والتعليمية والصحية، وذلك من خلال فتح مدارس، وتقديم منح مجانية، وفتح مستوصفات تقدم خدمات صحية مجانية لأبناء المجتمع كأحد أشكال التكافل الاجتماعي. صحيح أن لهذا الأمر تكلفة ستتحملها المنظمة، لكن هذا سيحسن من الصورة الذهنية لهذه المنظمة لدى أبناء المجتمع وسيعطي لها دعاية إيجابية، مما سينعكس إيجاباً عليها في الأمد الطويل، حيث يؤكد ذلك انتماءها لمجتمعها، وأنها تتحمل مسؤولياتها تجاهه.
3- العمل على تحسين البيئة في المجتمع، من خلال الحرص على عدم تلويث مصادره الطبيعية بمخلفات إنتاجها، و القيام بعمليات التصفية والمعالجة لهذه المخلَّفات ولو كان الأوفر للمنظمة رمي مخلفاتها في الهواء أو الأنهار أو الطرقات، لكن ألا يتساءل القائمون عليها أنهم وأسرهم يعيشون في المجتمع نفسه يتنفسون هواءه ويأكلون من ثماره؟ أم أنهم يظنون أنهم يعيشون في أبراج عاجية لا ينالهم أي ضرر من مخلفاتهم تلك؟!
4- العمل الجادُّ على حلِّ مشاكل المجتمع، لاسيما مشكلة البطالة التي ترتِّب آثارًا سلبية كثيرة على المجتمع.
إن ما ذكر آنفًا وغيره يدخل ضمن مصطلح «المسؤولية الاجتماعية» لأي منظمة في هذا المجتمع، والتي تتمثل في تحقيق التأثيرات الإيجابية لمصلحة المجتمع، وفي الوقت نفسه يتم لها تحقيق الأرباح دون أن يكون ثمة تعارض ما بين الهدفين، بل على خلاف ذلك، فإنه يجب أن يتحقق تكامل بين الهدفين، بحيث يؤدي تحقق أي منهما، إلى تحقق الهدف الآخر.
نخلص إلى القول إن النظرة الحديثة لمديري الأعمال يجب أن تنصب على أن منظماتهم يجب أن تمتد وظائفها إلى المجتمع بأكمله، حتى لو كانت القوانين والأنظمة المعمول بها لا تشير إلى ذلك الشيء بشكل مباشر، بمعنى أن على منظمة الأعمال تجسيد مفهوم المواطنة في عملها وأن تتحمل المسؤولية الملقاة على عاتقها تجاه عموم المجتمع، من خلال مختلف الأنشطة التي تعبر عن ذلك، وأنها إن قامت بذلك تكون قد أوفت بذلك العقد الاجتماعي الذي أقامته مع مجتمعها وحققت التزاماتها المتفق عليها ضمنياً نحو رد الجميل لهذا المجتمع الذي هو سبب وجودها واستمرارها، والعمل على إسعاده، وبالتالي ازدهاره الذي سينعكس حتمًا على أداء المنظمة وازدهارها مستقبلاً.