ليس الإنسان دمًا ولحمًا فحسب، بل هو مجموعة من المشاعر والأحاسيس أيضًا، والعمل لا بد أن يرتبط بتلك المشاعر والأحاسيس، بالتالي فإن حسن أداء العمل أو سوءه يرتبط – كما يقول علماء الإدارة السلوكيون – بمشاعر العاملين نحو ذلك العمل، لذا فإن المدير الناجح يدرك أن إخراج أفضل ما لدى الأفراد نحو العمل المنوط بهم يتوقف على كيفية التعامل معهم، بمعنى أنه يتوقف على أسلوب تحفيزهم.
والتحفيز – كما نعلم – هو عبارة عن إثارة دوافع الأفراد من أجل دفعهم للعمل المطلوب وتحقيق الأهداف، بمعنى زيادة درجة حماسهم ودافعيتهم، من خلال إيجاد مؤثرات خارجية تعمل على ذلك وتصبُّ في المصلحة التي حددها المدير، والتي يجب ألا تتناقض مع مصالحهم الخاصة.
ويتبع المديرون طرقًا متعددة لتحفيز مرؤوسيهم، ويمكن تحديدها في طريقتين هما:
1- التحفيز عن طريق التخويف والترهيب:
بأن يذكر المدير الأخطار التي تحيط بالمنظمة، وأن الوقت يداهمنا، وعلينا أن نحاول التشبث بالسفينة قبل أن يأخذنا الطوفان، هذا في أدناها، ويمكن أن يذهب المدير إلى مستوى التهديدات وفرض العقوبات على كلِّ من لا يبذل جهدًا ملموسًا في سبيل إنجاح المنظمة. وفي الواقع هذه الطريقة تجدي في بداية الأمر، ثم لا تجد لها بريقاً بعد ذلك، ولن يكون من ورائها أي مردود إيجابي ملموس.
2- التحفيز عن طريق المكافآت والحوافز المادية:
وهذه الطريقة أيضًا تجدي في بداية الأمر، لكنها لا تلبث أن تخف حدتها ولا تجدي نفعًا على المدى البعيد؛ لأن الأفراد إذا ما اعتادوا على ذلك فلن يتحركوا بعدها إلا إذا كان ثمة حافز مادي، بل من الممكن أن يصل الأمر إلى درجة أنهم لا يؤدون عملاً إلا على قدر ذلك الحافز المادي فقط.
والحل في اعتقادي أن أفضل طريقة هي مخاطبة العقل والإقناع: بمعنى إقناع الأفراد العاملين أن تطور المنظمة يعود عليهم جميعاً بالنفع ويسهم في بناء مستقبل أفضل لهم، بمعنى أن يصل المدير إلى إقناعهم أن الإدارة والعاملين جميعًا في مركب واحد، وأن نجاح المنظمة هو نجاح لهم، وأنه سيعود عليهم بالفائدة، إن لم يكن على المستوى المنظور فهو حتمًا على المستوى البعيد، وهذا يتوقف على قدرة المدير على مخاطبة عقول العاملين، واستثارة مشاعرهم والوصول بهم إلى أنهم جزء لا يتجزأ من المنظمة، وأن نجاحها هو نجاح للجميع وأن فشلها هو فشل للجميع، فإذا استطاع المدير أن يوصل هذا المفهوم للعاملين معه فسيكون قد وضع يده على أكبر حافز لهم، فهم لا يعملون لصالح المدير بل يعملون لصالح المنظمة ككل، ومديرهم ما هو إلا فرد فيها.
كما يجب على المدير إقناع كلِّ من يعمل معه أنه عضو مهم في المنظمة، فمهما كان عمله صغيرًا فإنه ذو قيمة في المحصِّلة؛ فإذا شعر العامل بأهميته بالنسبة للمنظمة التي يعمل فيها فسيكون ذلك دافعاً كبيراً لتحسين أدائه، بل سيزيده إصراراً على الابتكار في كيفية أدائه لذلك العمل، وإذا تمكن هذا الشعور من العاملين في المنظمة فلن نميِّز عندئذ المدير من العامل، فالجميع أصبح لديه نفس المستوى من الغيرة على أداء العمل، وهذا كان حال سلفنا الصالح – رضوان الله عليهم – فلم تكن تعرف القائد منهم من الجندي.
إن فن التحفيز ينطلق من مدى تفهم المدير للطبيعة الإنسانية للعاملين معه، ومدى تفهمه لمشاعرهم وأحاسيسهم، وافتراضه المسبق أن جميع من حوله جيدون وملتزمون بطبيعتهم، وكذلك هم مبدعون إذا وجدوا الفرصة المناسبة لذلك، وعندئذ ما عليه إلا تحفيزهم من خلال إثارة شعورهم بالانتماء للعمل، فإن ذلك سيساعد العاملين – بكل تأكيد – على التطور وعلى نمط العمل الجماعي.
وعلى كل مدير أن يعلم أن أمامه مسؤوليتين:
مسؤولية تجاه الأفراد العاملين معه، ومسؤولية تجاه العمل الذي يقوم به وهو مطلوب منه، وهاتان المسؤوليتان تتكاملان ولا تتناقضان، فيجب ألا يطغى حب إنجاز العمل على مسؤوليته تجاه الأفراد، فعندئذ سوف يبتعدون عنه فتفشل إدارته، كما يجب ألا يطغى اهتمامه بالأفراد على إنجاز العمل فيفسد العمل ويسوء. فإذا بذل المدير جهده وتفهم ما سبق قوله فلا بد من أن يكون النجاح حليفه.