عُرِفَ عن الملك عبدالعزيز الصلاح، وكثرة العبادة، ودعوة الناس إلى الاهتمام بالعقيدة الصحيحة والعمل بها.
وتؤكد المصادر التاريخية أن الملك عبدالعزيز قد أقام أركان الإسلام اتباعًا لأمر الله، وتُعَدُّ أعماله اليومية شاهدًا حيًّا على ذلك؛ فقد كان يستيقظ من نومه كل يوم قُبيل صلاة الفجر، فيبدأ عمله بالتوجه إلى الله، وتلاوة القرآن، وإقامة الصلاة، وكان له مع ذلك خلوات مع ربه في دُجَى الليل ووقت السَّحَر والناس نيام؛ ويُذكر عنه أن لسانه كان رطبًا دائمًا بذكر الله في جميع الأوقات، وكان يكثر من الاستشهاد في معظم مجالسه بآيات الذكر الحكيم، كما كان لا يكتب خطابًا لأحد من الناس إلا بدأه بذكر الله وشكره على جليل نعمه، ولعل هذا الخضوع لله تعالى والاعتماد عليه كان هو السر في عظمته وتوفيقه، فمن كان مع الله كان الله معه، وفي صدد ذلك يقول أحد الملازمين له في حروبه: كنت في إحدى الحروب أتفقَّد الخيل نصف الليل، فإذا بي أسمع صوت عويل صادر من خيمة ” أبو تُرْكِي ” (الملك عبدالعزيز)، وكنت حاملاً سلاحي، فتوجهت نحو الخيمة، فوجدت بَوَّابَها إبراهيم الحميدي واقفًا عند مدخلها، فسألته: ما الخبر؟ قال: لقد سلَّم أربع تسليمات، ثم وقف وسط الخيمة يتضرَّع إلى الله ويبكي كما تراه، فنظرتُ داخل الخيمة فرأيته كما وصف؛ واقفًا رافعًا أكفَّ الضراعة إلى الله يسأله من فضله، ويجهش إلى ربه بالبكاء، والناس نيام.
هذه الرواية تدل على شدة خشيته لله تعالى، وقوة إيمانه به سبحانه، وقد اشتهر عنه رحمه الله أنه كان يرتجف خوفًا من الله -تعالى- حين كان يقال له: “خَفِ الله يا عبدالعزيز “.
هذا السلوك الإيماني من جانب الملك عبدالعزيز كان له وقع مؤثر في نفوس كل من عايشوه، وفي هذا الصدد يروي لنا الأمير عبدالله بن فيصل الفَرْحان: أنَّ رجلاً من أهل المنطقة الشرقية قد أثقل كاهلَهُ دَيْنٌ كبير، فجاء قاصدًا الملك عبدالعزيز يطلب منه، وبعد أن صلى العشاء ظل في المسجد منتظرًا انتهاء الملك من صلاته، وكان الملك قد رآه، وبينما هو كذلك سمع همهمة الملك وهو يطلب من ربه في خشوع، فما كان من الرجل إلا أن قام وانصرف، وسأل عنه الملك بعد انقضاء صلاته فلم يجده، وبعد البحث عنه وبسؤاله، أجاب بأنه قد جاء إلى الملك ليدفع عنه ديونه، وعندما رآه يطلب من ربه استحى، وانصرف يطلب من ربه مقتديًا بالملك عبدالعزيز.
هذه الرواية تُظْهِرُ بوضوح أن سلوك الملك عبدالعزيز قد بات نموذجًا حيًّا يُحتذى به، وأن هذا لم ينتج من فراغ، بل لكون الملك قد اطَّلَعَ على مختلف علوم الدين؛ وخاصَّة التفسير، والحديث، والفقه، والوعظ، بجانب تلاوته المستمرة للقرآن الكريم، كذلك: فإن الدروس والمجالس العلمية اليومية التي كان يعقدها الملك عبدالعزيز لم يقتصر فيها على نفسه، بل كان يحضرها الكثيرون، وكان ذلك الدرس اليومي منارة للعلم وسبيلاً لتقوية الجانب المعرفي في إطار البناء السياسي للدولة السعودية التي احتضنت مبادئ الإسلام في نسيجها، وسلوكها، ومنطلقاتها.
إن ثقته بالله عزَّ وجلَّ، والتصديق الكامل بآياته جعلته – رحمه الله – يفني معظم أوقاته في الدعوة إلى الله، وحَضِّ الناس على إخلاص العبادة له؛ وقد حمله ذلك على اتباع أوامر الله، وتطبيق أحكامه، وهذا واضح، ليس في أقوال الملك فحسب، بل في أفعاله أيضًا.
هذه شواهد تدل بمجملها – دلالة واضحة وصريحة – على شدة تمسك الملك عبدالعزيز بالدين الإسلامي، وخشيته لله في أفعاله وأقواله؛ أضف إلى ذلك حرصه التام على أداء فريضة الحج، وقيادة الحجيج في كل عام منذ أن ضُمَّتِ الحجاز إلى المملكة العربية السعودية، وحتى وفاته – يرحمه الله – ولم يتخلف عن ذلك إلا في سنوات محدودة جِدًّا؛ مثل عام 1360/1941.
لقد علم الملك عبدالعزيز ذلك كلَّه؛ بما نشأ عليه من ثقافة دينية؛ ومن ثَمَّ فإننا نراه قد تحلَّى بمكارم الأخلاق، وعظيم الشِّيَم والسجايا، رحمه الله بما يرحم به عباده الأبرار.