الإدارة إسلامية

 

من المقرر أن النظام الإسلامي كلٌّ لا يتجزأ، وهو مجموع تكاليف موجَّهة إلى الأفراد، كما أنه تكاليف عامة تُعنى بتنظيم الأمة عبر تشريعات تكفل لها البقاء بين الأمم، بل التفوق عليها.

ومن جملة تلك التعاليم الإرشاد إلى إتقان العمل واستفراغ الطاقة في أدائه على خير وجه؛ وهذا يتطلَّب إدارة واعية للعمل للوصول به إلى آفاق النجاح، إذ كيف ينتظم للعمل عِقدٌ دون النظر إلى إدارته، فهي وسيلة جدُّ مهمة لتحقيق المحصِّلة الكبرى لمجموع جهد العاملين.

من هذا المنظور نجد الإسلام يدعو إلى المشاركة الفاعلة في اتخاذ القرارات الهامة قبل البت بها، مع إشعار كل من شارك بأن عليه قسطاً من المسؤولية فيما استُشير فيه، وبذا يكون العمل بفريق متكامل يشد بعضه بعضاً.

والإدارة في الإسلام تدعو إلى الأخذ الجادِّ بالتخطيط الملائم للأعمال بعد تقرير تنفيذها، ليس ذلك فحسب، بل تدعو إلى تهيئة الظروف المناسبة للتنفيذ، مع متابعة بنَّاءة هادفة لسير العمل، والأخذ بعين الاعتبار حقوق كلٍّ من أصحاب العمل والعمال.

لقد خط الإسلام بهذا النظام الفذِّ معالم الطريق الصحيح للإدارة السليمة، والتي تنبري لتقريره أقلام علماء الإدارة في العصر الحديث، وإننا نجد المسلمين – عبر سجلِّهم الإداري – قد عمدوا حيناً إلى نمط مركزية الإدارة، وذلك فيما يتعلق بولاية الأمر العامة، وحيناً آخر إلى اللامركزية الإدارية، ويتمثل ذلك في حسن تقدير العامل لحيثيات تطبيق القرار، دونما أدنى خلل في تحقيق مقصود هذا القرار، بما يحقق المصلحة العامة المتوخاة منه.

إن ما سبق منبثق من أصول وثوابتَ سطرت في كتابات يزخر بها الفكر الإسلامي، فها هو الفارابي يتحدث عن المثالية في الإدارة، وذاك الماوردي يبين أسس الإدارة الحكومية، والغزالي يكتب عن السلوك الإداري، وابن تيمية يرشد إلى الإصلاح الإداري، وابن خلدون يبحث في اجتماعيات الإدارة، وغيرهم كثير.

ومع أن أولئك جميعهم – أو غالبهم – لم يكن في حسبانهم حينما سطروا ما سطروه أنهم يضعون أسس حياة فكرية جديدة، ويرسمون قواعد إدارة المجتمع، فإن ما قدموه وما قاموا به قد صار في عصرنا من الغايات المرجوَّة في علم الإدارة، فقد حددوا في ذلك جملة دعائم ترتكز عليها الإدارة الإسلامية، ومنهاج الإداري المسلم، ومن ذلك:

1 – اعتبار العمل الجاد ضرورة حيوية للإنتاج.

2 – تقرير أن الإدارة هي أهم الوسائل لتنظيم جهد العمال.

3 – ضرورة اختيار الأصلح -من العمال- دون مجاملة.

4 – اعتبار القدوة الحسنة ضرورة لحسن الإدارة.

5 – اعتماد الشورى في اتخاذ القرار، والعمل بروح الفريق الواحد.

6 – أهمية الالتزام والطاعة وفق تنظيم تقتضيه مصلحة العمل.

7 – التجديد في العمل، وتحديد المسؤوليات في تنفيذه.

8 – التخطيط الملائم لكل عمل.

9 – الأخذ بالأسباب، بتطوير الوسائل العلمية، بما يخدم الارتقاء بجودة العمل.

10 – إجادة العمل وإتقانه.

11 – تقرير الجزاء الحسن مقابل العمل الجيد.

12 – إظهار المرونة في التعامل الإداري.

13 – تحقيق العدل في التعامل.

14 – التعاون، مع إيلاء العلاقات الإنسانية أهمية كبيرة.

15 – التيسير ومراعاة الظروف.

16 – محاسبة النفس والتقويم الذاتي المستمر.

هذه الصفات التي تمثل تكامل النظام الإداري الإسلامي، نجدها ماثلة نظرياً فيما دعت إليه الشريعة، وعملياً فيما سطرته السيرة النبوية العطرة، واقتدى به سائر الولاة المسلمين.

في ضوء ما سبق يمكن القول: إن الإسلام ينظر إلى عملية الإدارة على أنها عملية متكاملة؛ بشرياً، ومادياً، ومعنوياً، كما يعدها توجيهاً عملياً لحياة الإنسان بمختلف أبعادها وأنماطها.