تتكامل في الشريعة الإسلامية نُظُم الحياة في مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها، ولا شك أن القرآن والسنة هما المصدران الأساسيان للتشريع الإسلامي، وأن فيهما الخير الكثير، وفيهما من الأسرار ما لم يكشف عنه بعد؛ لذا فإن قضايا الموارد البشرية – من ضمن القضايا الأخرى – يمكن تناولها من منظور إسلامي للوصول إلى نتائجَ مفيدة يمكن أن تقدم الكثير من العمق في التفكير لكل من يرغب في تأصيل فكره الإداري، لا سيما في طريقة تعامله مع الآخرين في العمل ومن قضايا الموارد البشرية المهمة نذكر:
1- قضية الرقابة الذاتية:
اهتمت الشريعة الإسلامية بمفهوم الرقابة الذاتية اهتمامًا كبيرًا، ذلك أن علاقة الفرد بالآخرين سواء كانوا زملاء أو مرؤوسين، أو علاقته بخالقه، هي علاقة تحكمها في كثير من الأحيان السرية والخصوصية؛ فالعامل حينما يعمل لدى صاحب العمل عليه الإخلاص ومراعاة مراقبة خالقه أولاً، ثم مراعاة حق صاحب العمل والأجر الذي يحصل عليه. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً﴾ [النساء: 86]، ويقول في سورة النجم: ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى﴾ [النجم: 39- 40].
وقد مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام))؟ فقال: أصابته السماء يا رسول الله. فقال: ((أفلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، من غشنا فليس منا)).
وتركز المناهج الإدارية الحديثة على الجوانب السلوكية والتحفيز وبناء فرق العمل والمشاركة، ومن أهم طرق تقييم أداء العاملين أن يقيم العامل أداءه بنفسه؛ حيث إن نقاط القوة والضعف في الموظف لا يعرفها ولا يدركها جيدًا إلا هو، ومن هنا تم التركيز على تنمية وتدريب العاملين نحو الرقابة الذاتية.
2- قضية تنوُّع الموارد البشرية:
إذا نظرنا إلى قضية تنوُّع العمالة نجد أنها من القضايا التي لم يبدأ الحديث عنها إدارياً إلا منذ فترة قصيرة، مع ظهور عصر الدولة وانتشار الشركات متعددة الجنسيات، إلا أن المدقِّق في الشريعة الإسلامية يجد أنها عالجت هذه القضية منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا مضى من الزمان؛ حيث لم يميز الإسلام على أساس العرق أو الجنس أو النوع أو اللسان، وإنما على أساس التقوى والعمل الصالح في جميع المجالات؛ فالعامل عندما يخلص في عمله، وصاحب العمل عندما لا يظلم العامل، فإننا نجد أنفسنا أمام درجة عالية من درجات التقوى. يقول سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].
كما لم يميز الإسلام بين الرجل والمرأة إلا في بعض الحقوق الشرعية؛ كالميراث مثلاً، لعلَّة وجوب الإنفاق المترتبة على الرجل فللمرأة في الإسلام صفحات مشرِّفة وأيام خالدة.
وقد نهى الإسلام المؤمنين أن يسخر بعضهم من بعض، سواء كانوا رجالاً أو نساء، وأيضًا نهاهم عن التفاخر بالألقاب والأنساب وغيرها. وفي ذلك يقول الله عز وجل: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الإسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11].
3- قضية الاتصال:
كما نعلم، فإن الاتصال هو النظام الذي يبعث الحيوية والحركة والنشاط في أية منظمة أو مجتمع؛ كونه يعتمد على تبادل البيانات والمعلومات ونشرها وتوزيعها على مختلف العاملين، سواء من خلال الأوامر واللوائح وحلقات العمل والندوات أو غيرها.
ويمكن القول إن موضوع الاتصال من الموضوعات المهمة في الإسلام، ويمكن أن نستدلَّ على أهمية الاتصال في الإسلام من خلال آيات كثيرة في القرآن الكريم؛ منها قوله تعالى: ﴿ مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ [المائدة: 99]، وقوله أيضًا: ﴿ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا ﴾ [النساء: 86]، كما يمكن أن نستدلَّ على أهمية الاتصال من السنة النبوية الشريفة؛ فعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلامًا فصلاً، يفهمه من يسمعه.
نعم، فقد أعطي النبيُّ صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، فكان كلامه موجزًا إلا أنه يحتوي على بحور من المعاني مثال ذلك:
((الكلمة الطيبة صدقة))، ((قل آمنت بالله ثم استقم))، ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)).
لا شك أن ثمة قضايا كثيرة يمكن أن تندرج في هذا المضمار، لا سيما قضية مسؤولية صاحب العمل تجاه العاملين معه، وقضية التعاون معهم، والتشاور عند اتخاذ القرار، وغيرها من القضايا التي آمل أن تكون محط اهتمامنا، لنعطي موضوع الموارد البشرية بُعدها الإسلامي، فتصبح صالحة لكل زمان ومكان، لأن مصدرها الإسلام وهو صالح لكل زمان ومكان.
المادة باللغة الإنجليزية